هذه ليست مجرد قصة قصيرة، انما قصة جزء من واقع يعيشه الفلسطينيين كل يوم، قصة طقوس اذلال بقلم محمد حرب
وقف بضعة جنود متراخين أمام مركبتهم المصفحة الحربية، يستمتعون بأشعة شمس يوم من أيام الشتاء الدافئة، حيث السماء صافية والشمس ساطعة تبعث أشعة دافئة في الاجساد. كانوا قد نصبوا حاجزا سريعا يتقدمه إشارة قف على شارع بالقرب من مغتصبة حلميش الواقعة على أراضي قرية النبي صالح، وخلف الجنود بدأ حشدا من اليهود الاسرائيليين بالتجمع داخل خيمة بيضاء كبيرة نصبت على جانب الطريق، وداخل الخيمة وضعت طاولات خشبية متراصة وكأن الخيمة أصبحت كنيس يهودي.
في تلك الأثناء، بدأت مركبات فلسطينية في التجمع أمام إشارة القف التي وضعها الجنود لتقطع الطريق أمام المركبات، بعيدة عنهم بضعة أمتار، وأخذ الجنود ينظرون الى المركبات التي تتراكم في طابور طويل بلا اكتراث، وكل بضعة دقائق يشيرون لأحدى المركبات بالمرور..
بعد فترة قصيرة من الزمن وصلت مركبة مصفحة حربية، وخرج منها جنود مدججين بالسلاح وبينهم ظهر ذلك الحاخام الذي يلبس ملابس يتميز بها الحاخامات اليهود، كان شابا في منتصف العمر، حيا الجنود ونظر نظرة لا مبالية الى المركبات الفلسطينية المتراكمة، ثم دخل الى الخيمة التي تجمع بها اليهود الاسرائيليين وبدأت طقوسهم الدينية ، والتي أصروا على القيام بها على قارعة الطريق حيث لا يخلو الموضوع من هدف سياسي احتلالي مقيت.
في المقابل لهم كانت المركبات الفلسطينية تتراكم بازدياد حتى شارف عددها على المائة مركبة، في احدى المركبات شعر مسن بارتفاع ضغطه فتناول قرصا من علبة أدويته، وفي مركبة أخرى تناولت شابة صغيرة من حقيبتها علبة الأوكسجين الصغيرة لتضغطها داخل فمها في إختناق واضح، ومن بعيد تصاعدت صرخات طفل رضيع يبدو انه شعر بالضجر المخيم على المكان، بينما نظر شابا الى ساعته يخشى أن يفوته موعد محاضرته الجامعية، وفي كل مركبة كان هناك قصة لكل راكب من الركاب يخيم عليها أجواء الغضب الممزوج بالقهر والحزن والكثير من الضجر، فيما كانت عقارب الساعه تتحرك ببطوء شديد، وكل بضعة دقائق ينظرون الى الجنود على أمل ان يشفقوا ويسرعوا في الإفراج عن طابور المركبات.
مرت الدقائق بطيئة كالساعات حتى مرت ساعتان، ظهر ذلك الحاخام الشاب وهو يحيي من يحيط به ويحيي الجنود الواقفين المدججين بالسلاح، وهذه المرة لم يلتفت الى المركبات التي تئن انتظارا، إنما صعد الى المركبة الحربية ورافقه الجنود الذين جاؤوا بحراسته وهم يلقون التحية على الجنود الآخرين، وانطلقت مركبتهم بعيدا، ربما لتعذب مكانا اخر باطلالتهم..
بدأ جنود الحاجز في ازالة إشارة قف، ثم أشاروا الى المركبات الفلسطينية بالمرور، فيما خرج اليهود الاسرائيليين من الخيمة الكبيرة في الهواء الطلق يبتسمون ويضحكون بما يشير الى يوم سبت جميل لهم، كانوا في مختلف الاعمار شبابا وأطفالا وكبارا في السن من كلا الجنسين، ترى هل يستمتعون بأداء طقوسهم الدينية المزعومة أم بإذلال الحشد الكبير من الفلسطينيين الذين قتلهم الانتظار والملل.
انطلقت المركبات الفلسطينية وحالها كحال سجين خرج من سجنه بعد بضعة سنين، إنه مشهد عذاب شعب على يد شعب آخر يتكرر كل يوم.